×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

"دوما" تعكس أوضاع المدن السورية الثائرة

 توضح مشاهد الدمار في الشوارع الرئيسية لمدينة دوما بريف دمشق، مدى الأوضاع المتردية للمدن السورية التي حولت الآلة العسكرية للجيش وقوات الأمن شوارعها إلى ساحات حرب حقيقية أفقدت ساكنيها حياتهم الطبيعية، وأجبرتهم على التأقلم معها.

وأضحت آثار القصف والهدم والرصاص على الجدران والأشجار المتكسرة على جنبات الشوارع، أمراً مألوفاً في الشوارع الرئيسية في دوما التي كانت في مقدمة مدن ريف دمشق التي انتفضت ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، حيث تعرض أكثر من 70 بالمائة من محلاتها التجارية للقصف، فيما أغلقت المراكز الحكومية كقصر العدل وإدارة الهجرة والجوازات والسجن النسائي فيها.

وتنحصر المحال التي تفتتح أبوابها في الأوقات الاعتيادية على المطاعم ومحلات الأغذية لبضع ساعات يومياً، في حين تعرضت المراكز التجارية الكبيرة التي اشتهرت بها المدينة لدمار شبه كامل منذ نحو ثمانية أشهر.

وباتت معظم الشوارع الرئيسية مدمرة بفعل تعرضها لإطلاق نار، أو سقوط قذائف الهاون و"آر بي جي" والدبابات ورشاشات "الشيلكا" روسية الصنع.

ويؤكد سكان محليون، أن أصوات القصف وإطلاق النار، أصبحت أمراً اعتياديا، في ظل الاشتباكات اليومية بين قوات النظام السوري، وعناصر الجيش الحر الذين أجبروهم على الانسحاب من داخل المدينة والتمركز على أطرافها منذ أشهر.

وتزيد الحواجز الأمنية المنتشرة على أطراف المدينة، من معاناة الأهالي، عبر التضييق عليهم أثناء التنقل إلى وسط العاصمة، حيث ينبغي المرور عبر أكثر من تسعة حواجز للوصول إلى قلب دمشق.

وتشتكي النسوة من تعرضهن لمضايقات من رجال الأمن أثناء عبور الحواجز، وهو ما عبرت عنه فتاة قالت إنها سمعت الكثير من المعاكسات والعبارات النابية، مضيفة أن عنصر أمن رمى قنبلة صوتية بالقرب منها، في محاولة منه للفت انتباهها ذات مرة.

ووجد العديد من الأهالي، ولا سيما الشبان منهم في ظل الأوضاع الجارية، أنفسهم مجبرين على الانخراط بالقتال المسلح ضد النظام أو التحول لنشطاء وصحفيين ومسعفين، بعد أن توقفت الحياة بشكل شبه كامل، جراء الاقتحام المتكرر والقصف المتقطع بين الحين والآخر على المدينة.

أما المؤيدين للنظام السوري، فقد غادروا المدينة التي فقدت قوات الأمن السيطرة عليها وباتت المظاهرات تخرج دون تعرض قوات الأمن لها، وأضحى النشطاء وعناصر الجيش الحر يتحركون بحرية سوى خشية استهدافهم من القناصة المتمركزين على أطراف المدينة.

وفي حين لم يعد بمقدور دوريات "المخابرات" السورية القيام بحملات اعتقال أو مداهمة المنازل، إلا أن الجيش السوري والأمن يقوم بعمليات دهم موسعة وبأعداد كبيرة، مصحوبة بمعدات عسكرية ثقيلة ومصفحات بين الحين والآخر.

وأجبرت الأوضاع الأمنية الأهالي إلى وقف إرسال أطفالهم للمدارس، وهو ما أثار مشاكل كبيرة لدى طلبة الشهادات الإعدادية والثانوية، فيما منعت طلاب الجامعات من التغيّب المتكرر عن جامعاتهم في العاصمة وتوقف بعضهم عن الدراسة كليا.
أسلحة محرمة

وانعكست تأثيرات الأوضاع الجارية على الوضع المعيشي، حيث بات معظم أهالي المدينة يعيشون على المساعدات التي تقدمها الجمعيات الخيرية والمتبرعين من المناطق الأكثر استقرارا، بعد توقف أشغالهم.

واضطر المسعفون مع تواصل سقوط الجرحى إلى الاستعانة بـ"الحقائب الإسعافية" التي يحملها المسعفون والأطباء أثناء حركتهم بدل المشافي الميدانية التي قد يتعرضون للقنص أثناء الوصول إليها.

كما اضطروا إلى أساليب علاج بدائية وغير معقمة، واستعمال أدوات مختلفة في نقل الدم وتحليله وحفظه.

ويتعرض المسعفون بدورهم لخطر شديد بقنصهم أثناء سحب الجرحى، أو تصفيتهم في حال القبض عليهم بسبب المساعدات الطبية التي يقدمونها للأهالي وعناصر الجيش الحر. إذ تعتبر تهمة اقتناء وحمل أكياس الدم، بمثابة اقتناء السلاح لدى سلطات النظام وقد تصل عقوبتها للإعدام الميداني، حسب تأكيدات مصادر طبية من داخل المدينة.

ويجري ذلك مع تأكيدات أخرى باستعمال قوات الأسد أسلحة محرمة دوليا، سيما أنواع الرصاص التي يعتقد أنها من النوع الحارق والمتفجر.
قناصة أجانب

ويضيف القناصون المتمركزون على الأبنية العالية أطراف المدينة من معاناة الأهالي وحولت حركتهم إلى رعب متواصل بسبب تعمد القناصة استهداف المارة بشكل عشوائي يودي إلى سقوط قتلى أو جرحى يوميا.

واستعمال القناصة في إطار قمعها للانتفاضة، هو أسلوب استعاضت به قوات الرئيس السوري في صراعها مع الجيش الحر وحصار المدن وتقطيع أوصالها، بدل الجنود والآليات العسكرية التي يعد تواجدها على الحواجز الأمنية، أهدافاُ سهلة لعناصر الحر التي تقوم بمهاجمة الحواجز والانسحاب الفوري.

وحسب فتاة من المدينة تطوعت للعمل كمسعفة، فإن سقوط جرحى أو قتلى يومياً، أضحى مشهد طبيعي لدى الناس الذين عرفوا أماكن تواجد القناصين والشوارع التي بإمكانهم استهدافها، مما يضطرهم لعبور الشوارع راكضين، حتى يصعب استهدافهم، لكن ذلك لم يمنع من تواصل القتل، خصوصا بين الأطفال والمراهقين الذين يتعمد القناصون استهدافهم.

وتضيف سمارة القوتلي التي كانت تعمل كمخبرية قبل الثورة، أن القناصين فرضوا حظر تجول أتوماتيكي مع ساعات المساء، حيث تخلوا الشوارع من المارة، فيما يعمد الذين يضطرون إلى الخروج لعدم استعمال الأجهزة المضيئة كالهواتف النقالة، التي تّمكن القناصة من اكتشاف حركتهم.

وتؤكد مصادر عسكرية معارضة للنظام في مختلف المدن السورية، وجود قناصين بأعداد كبيرة من خارج سوريا، سيما إيران والعراق وعناصر من حزب الله اللبناني، وهو ما جرى تأكيده في دوما، حيث ألقي القبض فيها على قناص إيراني يبلغ من العمر 70 سنة، وآخر عراقي من قبل عناصر الجيش الحر خلال الآونة الأخيرة.

وقالت القوتلي، إنها التقت بعناصر إيرانية لا يتحدثون اللغة العربية على أحد الحواجز قبيل أشهر.

وقضى في مدينة دوما أكثر من 200 شخص خلال 14 شهر من الثورة، كما جرح الآلاف، ثمن انتفاضتهم ضد النظام الحاكم في بلادهم.

ويعكس وضع دوما حال مختلف المدن السورية المنتفضة ضد النظام، حيث تؤكد العديد من المصادر، أنه فيما فقدت السلطات السورية حكمها المباشر على الكثير من المناطق ولا سيما الأرياف وضواحي المدن، إلا أنها حولتها إلى ساحات حرب مفتوحة أجبرت السكان على عيش حياة غير طبيعية بسبب استعمالها الخيار العسكري في قمع الانتفاضة.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر