علي يونس يتتبع حقيقة قصة لقاء إخواني مع CIA
مايو 17, 2012 11:35 مساءً
لكاتب والصحافي العربي المقيم في واشنطن علي يونس خصّ بهذا التقرير الذي يتتبع حقيقة قصة كتبها الصحافي الأردني أسامة الرنتيسي عن لقاء جمع قيادتين من إخوان مصر والأردن بعناصر استخباراتية أمريكية وبريطانية في إسطنبول.
بالنظر الى الحصاد السياسي للثورات العربية يبدو أن حركة الإخوان المسلمين الرابح الحزبي الوحيد في هذه المرحلة الانتقالية من التحول الديمقراطي في المنطقة العربية كونها أيضاً الحزب الوحيد تقريبا الذي لم يستطع النظام العربي الرسمي تمزيقها وتفتيتها كما فعل بالأحزاب الأخرى سواء في الأردن أو مصر أو في تونس. وعليه فقد أصبحت الحركة موضع إعجاب من المتعاطفين معها خلال عقود الاضطهاد التي مرت بها وشكوك وموضع اتهام من قبل خصومها.
ففي مصر تقف الحركة قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على موقع الرئاسة بعدما استحوذت على غالبية مقاعد البرلمان. فالحركة هناك تعرضت إلى بطش و اضطهاد وسجن من قبل النظام المصري السابق ما اكسبها تعاطف الشارع المصري الذي أوصلها إلى السلطة وكذلك الحال بالنسبة لحركة النهضة في تونس التي حازت على أغلبية في البرلمان ووصلت الى السلطة بعد منع و اضطهاد على يد نظام بن علي السابق.
أما في الأردن فإن الحركة هناك تواجه حملة منظمة لتشويه سمعتها وربطها بالاستخبارات المركزية الأمريكية CIA والاستخبارات العسكرية البريطانية MI5 وتوظيفها لشق الشعب الأردني إلى شعبين منفصلين أردني وآخر فلسطيني ببلورة هويتين سياسيتين متضادتين على حساب الهوية الوطنية الجامعة بالرغم من كونهما عمليا و اجتماعيا وعشائريا و اقتصاديا شعبا واحد.
إن اشتداد الحراك الشعبي الأردني في العام الماضي والذي يطالب بإصلاح النظام وجعله أكثر ديمقراطية وبمحاربة الفساد الذي حول الأردن الى دولة هشة قد تنهار - إذا أوقفت الحكومة الأمريكية المساعدات الغذائية المجانية أو برامج اصلاح المياه أو أوقفت المساعدة الاقتصادية-العسكرية المباشرة التي تبلغ قيمتها 660 مليون دولار سنوياً، أو إذا أوقفت السعودية ضخ ما فوق المليار دولار سنوياً للموازنة العامة - ومن هنا اعتمدت أذرع الدولة الأمنية سياسة "فرق تسُد" وتقسيم الشعب إلى شعبين للقضاء على الحراك الشعبي، بدلا من اعتماد سياسة الإصلاح الاقتصادي والسياسي كما وعد الملك عبدالله الثاني أثناء وجوده هنا في واشنطن العام الماضي.
وفي ظل هذا المناخ السياسي كتب الصحفي الاردني أسامة الرنتيسي مقالاً في جريدة "الغد" الأردنية العام الماضي قال فيه إن المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن الدكتور همام سعيد، والدكتور كمال الهلباوي من حركة الإخوان المسلمين في مصر قد اجتمعا في يونيو/حزيران العام الماضي في اسطنبول مع النائب السابق لرئيس CIA ستيفن كابس، وإليزا ماننغهام - بولر رئيسة الاستخبارات البريطانية MI5 سابقاً والتي أصبحت فيما بعد عضواً في مجلس اللوردات البريطاني ورئيسة امبريال كولدج في لندن بعد تقاعدهما في عام 2007.
علاقة الإخوان بالـCIA
وأكد الرنتيسي في مقاله - حسب مصادره - وجود علاقة وطيدة بين CIA والإخوان المسلمون حيث قال أيضاً وعلى لسان ستيفن كابس واليزا ماننغهام –مولر "إن الإدارة الأمريكية واستخباراتها ستكون معكم – أي الإخوان المسلمين - في كل
خطوة وفي كل اتجاه". وأيضاً "فإن الحكومة والمخابرات الأمريكية سوف تدعم وتمكن الاخوان من السلطة، وحثتهم ايضاً على السلام مع إسرائيل ومقاومة
الإرهاب".
وبدورها نفت جماعة الإخوان المسلمون في الأردن ومصر نفياً قاطعاً حصول مثل هذا اللقاء، وتم رفع قضية بقيمة مليون دينار في المحاكم الأردنية ضد الكاتب الرنتيسي وجريدة "الغد".
وعندما سألت الرنتيسي عن مدى صحة ما كتب وهل لايزال يؤكد أن ما كتبه حول اللقاء المفترض صحيح أم لا؟ أجاب: "نعم"، وأضاف أنه مازال يؤكد صحة معلوماته التي قال إنه حصل عليها من خلال مصادر في السلطة الفلسطينية. وأضاف الرنتيسي أن لديه "محضراً غير رسمي يؤكد هذا الكلام"، وأن "السياق السياسي للإخوان والانفتاح بينهم وبين أمريكا يؤكد هذا الكلام أيضاً".
وخلافاً لحركة الإخوان المسلمين في مصر أو في تونس فالإخوان في الأردن لم يكونوا دائماً معارضة حقيقية للنظام كما قال لي الكاتب والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الدكتور محمد أبورمان "الإخوان شكلوا في مرحلة الخمسينيات والستينيات حلفاً داعماً للنظام الملكي وذلك ضد الحركات القومية واليسارية في ذلك الوقت". وأضاف "وفي السبعينيات وقفوا إلى جانب النظام الأردني ضد المنظمات الفلسطينية، إلا أنه في مرحلة التسعينيات حتى الآن وقف الإخوان المسلمون في الأردن في موقف المعارض للنظام خصوصاً بعد توقيع معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية في عام 1994، حيث شكلت المعاهدة الاسرائيلية-الأردنية - كما يبدو - مرحلة انفصال ونهاية الحلف غير المعلن بين النظام والحركة.
فالحراك العربي الشعبي أعطى بعداً سياسياً وزخماً لكل الحركات الإسلامية في المنطقة، ولكن في الأردن الحركة واجهت خصماً شديداً من قبل المخابرات الأردنية وأجهزة النظام الأخرى التي عملت على "فلسطنة" حركة الإخوان المسلمين كما قال الكاتب أبورمان، وذلك من أجل منع الحراك الشعبي من التكتل والتوحد، وأن يصبح بالتالي مصدر تهديد للنظام. "ففلسطنة" الإخوان تعني من وجهة نظر النظام أنه يجب تصويرهم كخطر سكاني وسياسي على الأردن كفلسطينيين، علماً أن الفلسطينيين في الأردن أصبحوا أردنيي الجنسية دستورياً عندما ضم الأردن الجزء الشرقي من فلسطين عام 1950 والتي سميت فيما بعد "الضفة الغربية" تماماً كحال مدينتي معان والعقبة في أقصى جنوب الأردن واللتين أصبحتا أردنيتين بعد أن ضمهما الأردن عام 1925 أي بعد 4 سنوات من تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921.
الدكتور همام سعيد "مقال مختلق وعارٍ عن الصحة"
وبدوره نفى الدكتور همام سعيد بشكل قاطع أثناء حديث لي معه وجود هذا النوع من اللقاءات مع الـCIA أو مع أي مسؤول أمريكي. وأضاف تعقيباً على المقال "أنه
مختلق وعارٍ عن الصحة، وأن مثل هذه اللقاءات مخالفة لمبادئنا ومعتقداتنا خصوصاً
عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع الكيان الصهيوني، وموقفنا المعارض من اتفاقية السلام الاردنية-الإسرائيلية المعروفة باتفاقية وادي عربة".
ولكن مدير مكتب "القدس العربي" في عمان بسام البدارين لا يستبعد هو الآخر وجود نوع من الاتصالات بين إخوان الأردن ودوائر غربية ذات طابع سياسي محض، حيث قال لي: "أعتقد أن هناك اتصالات قد حصلت بين الإخوان هنا والغرب ولكن ليس بشكل مباشر بل من خلال طرف ثالث".
ومن جهة أخرى أكد لي مسؤولون حاليون وسابقون في الـCIA أنه لم يتم أي اجتماع بين الـCIA والإخوان في مايو/أيار أو يونيو/حزيران العام الماضي في تركيا كما جاء في مقال الرنتيسي. وصرح الناطق باسم الـCIA جون تومتشك لي رسمياً بأنه "لم يحدث أي اجتماع بين مسؤولين في الـCIA والإخوان المسلمين في تركيا في أيار او حزيران من عام 2011".
أسماء شخصيات رفيعة
الغريب في الأمر أن مقال الرنتيسي يتضمن أسماء لأرفع الشخصيات السابقة في المخابرات الأمريكية والبريطانية، ما قد يعني أن الجهة التي وضعت تلك المعلومات ومررتها إلى السيد الرنتيسي من خلال أشخاص في السلطة الفلسطينية هي
جهة أمنية ومخابراتية، وكانت على علاقة رسمية مع كابس ومننغهام- مولر، حيث تعلم هذه الجهة أن ذكر هذين الشخصين في مثل هذا التقرير لن يكون له عواقب رسمية بين أمريكا وبريطانيا من جهة، ومخابرات تلك الدولة من جهة أخرى، كونهما لم يعودا في الخدمة الرسمية.
ومن هنا فقد تحدثت مع مسؤولين كبار وسابقين في الـCIA في واشنطن وMI5 في لندن وقد نفوا نفياً قاطعاً حصول مثل هذا اللقاء الذي وصف بأنه مفبرك.
واشترط المسؤولون المذكورون عدم ذكر أسمائهم في هذا المقال نظراً لحساسية مواقعهم السابقة والتي تندرج في أعلى السلم الوظيفي في الجهازين المذكورين.
والجدير بالذكر أن موقف الإخوان المسلمين في الأردن تجاه إسرائيل ومعارضة اتفاقية وادي عربة ليس هو بالضرورة موقف الإخوان المسلمين في مصر أو في تونس.
إخوان مصر: السلام مع إسرائيل سيستمر
ففي مصر ذكرت تقارير صحافية وعلى لسان القيادي عصام العريان أن الإخوان المسلمين هناك لا يعارضون اتفاقية السلام مع إسرائيل من حيث المبدأ، وطالما أن
الولايات المتحدة مستمرة في دعم مصر بالمساعدة المالية وقيمتها 1.3 بليون دولار طالما بقيت هذه المعاهدة قائمة.
وفي تونس أيضاً فقد رفضت حركة النهضة الحاكمة هناك إدخال قانون يجرم التعامل مع اسرائيل- العدو الصهيوني- في الدستور الجديد. رئيس حركة النهضة السيد راشد الغنوشي قال حسب التقارير الإعلامية إن تونس لن تعترف أبداً بإسرائيل وعليه لا يوجد داع لإدخال هذا البند في الدستور الجديد.
الجدير بالذكر أن أحزاب اليسار التونسية ومنها الحزب الشيوعي طالبت وبقوة بإدخال هذا البند للدستور الجديد كون عدم ادخاله حالياً يعني فتح المجال مستقبلاً لعلاقات قد تكون رسمية أو غير رسمية مع إسرائيل.
والكثير من القوميين العرب والحركات الوطنية الفلسطينية تتهم الإخوان المسلمين في الأردن بدعم حركة حماس والتي حسب وصفهم "شقت الصف الوطني الفلسطيني" باستحواذها على غزة والعمل على فصل غزة عن المناطق الفلسطينية الأخرى.
من خندق المعارضة إلى خندق الحكومة
فالملاحظ أن حركة الاخوان المسلمين هنا تدرك أن التحول من خندق المعارضة إلى قصر الحكومة يترتب عليه التخلي عن بعض من مبادئها، وأن تدفع ثمن البقاء في السلطة من خلال الالتزام بمواقف واتفاقيات كانت تشجبها وترفضها عندما كانت في
المعارضة سابقاً كالتعامل والسلام مع إسرائيل أو التعاون مع الغرب كطرف ضعيف يعتمد في بقائه على الهبات والمساعدات الغربية، تماماً كما الأنظمة الديكتاتورية السابقة، خصوصاً أنها سوف تورّث دولا متهالكة ذات أنظمة اقتصادية هشة وفاسدة ودون بنية تحتية سياسية اختزل فيها الوطن بشخص رأس الدولة.
ومن هنا فقد قال لي الكاتب المصري المقيم في القاهرة سليم عزوز إن الاخوان المسلمين ليس لديهم مشكلة مع الغرب من حيث المبدأ كونها الآن أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الدخول إلى قصر السلطة، وأيضاً فالحركة تحاول أن تثبت للغرب بأنها حركة معتدلة وليس لها مشكلة مع المصالح الغربية في المنطقة بشكل عام". لقد بدا واضحاً أن الإخوان المسلمين قد تغولوا وتحولوا من حركة مضطهدة إلى حركة تتعالى على الشعب بعد أن حصدت مقاعد البرلمان، وأصبحت تسعى إلى الهيمنة والسلطة واستخدام لغة مختلفة" أضاف عزوز الذي هو أيضاً رئيس تحرير صحيفة "الأحرار" المصرية.
أما بالنسبة لكمال الهلباوي فهو شخصية إشكالية في مصر كونه إخوانياً سابقاً ثم تحول إلى عدو للإخوان المسلمين، حسب ما ذكره الكاتب والصحافي المصري والمتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية فراج إسماعيل، حيث قال إسماعيل إن الهلباوي لا يفتأ يشوّه صورة الإخوان المسلمين عموماً والمرشد العام خصوصاً بسبب الخلاف بينه وبينهم.
وأضاف إسماعيل وهو أيضاً كاتب عمود أسبوعي في صحيفة "الجمهورية" المصرية وعمود يومي في صحيفة "المصريون" أن "الهلباوي قال في الإخوان ما لم يقله مالك في الخمر"، وعليه فإن لقاءات الهلباوي العلنية مع شخصيات غربية كونه كان مقيماً في الغرب قد لا تسيء بالضرورة للإخوان المسلمين كونه "عدواً سياسياً لهم"، وأكد إسماعيل أنه حتى إذا انتصر الإخوان وأخذوا الرئاسة المصرية، وهو ما يستبعده عزوز، فإن حكمهم لن يستمر طويلاً كون مصر بحاجة إلى عدة سنوات لإفراز وإنتاج قيادات جديدة تكون أكثر التزاماً بمبادئ الحرية والديمقراطية لتعيد بناء الدولة المصرية الحديثة.
وتوازياً مع الحملة التي تشنها الحكومة الأردنية على الإخوان هناك، فهي تعمل بشكل ممنهج على سحب الجنسية الأردنية من المواطنين ذوي الأصول الفلسطينية دون الاستناد إلى أي سند قانوني او دستوري سوى قرار سياسي وخطاب سياسي ألقاه الملك الراحل الحسين بن طلال بفك الارتباط مع الضفة الغربية دون تعديل الدستور وإقرار البرلمان بالتخلي عن جزء من أراضي الدولة الأردنية. إن اعتماد خطاب سياسي ألقي ضمن ظروف معينة ومرحلية كأساس لتفكيك الهوية الوطنية الجامعة وتقسيم الشعب الى شعبين هو عمل كارثي غير وطني وغير مسؤول، وقد يعتبر لاحقاً سابقه قانونية قد تؤسس الى خلق حالة تشيكوسلافاكية في الأردن. وقد يعتبر لاحقاً أيضاً أساساً لفك الارتباط السياسي والسيادي بمناطق أردنية أخرى.
فمن غير المعقول وغير المقبول أن تعامل الحكومة الأردنية المواطن الفلسطيني في الأردن كعدو وخصم بعد أن أفنى عمره وعمر أبنائه في بناء الدولة الأردنية الحديثة كدافع ضرائب وركيزة اقتصادية أساسية في الدولة، ليكافئ بعد ذلك بسحب الجنسية منه وحرمانه من حقوقه المدنية ليجد نفسه وأبناءه بعد ذلك عملياً في الشارع، وبذلك تكون الدولة الأردنية الدولة الوحيدة في العالم تقريباً التي تعمل على تمزيق بنيتها الداخلية بنفسها من أجل منع قيام أي عملية اصلاح سياسية واقتصادية حقيقية تتحول فيها الأردن من دولة هشة تعتمد في بقائها على المساعدات الغربية والخليجية إلى دولة حقيقية.
بالنظر الى الحصاد السياسي للثورات العربية يبدو أن حركة الإخوان المسلمين الرابح الحزبي الوحيد في هذه المرحلة الانتقالية من التحول الديمقراطي في المنطقة العربية كونها أيضاً الحزب الوحيد تقريبا الذي لم يستطع النظام العربي الرسمي تمزيقها وتفتيتها كما فعل بالأحزاب الأخرى سواء في الأردن أو مصر أو في تونس. وعليه فقد أصبحت الحركة موضع إعجاب من المتعاطفين معها خلال عقود الاضطهاد التي مرت بها وشكوك وموضع اتهام من قبل خصومها.
ففي مصر تقف الحركة قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على موقع الرئاسة بعدما استحوذت على غالبية مقاعد البرلمان. فالحركة هناك تعرضت إلى بطش و اضطهاد وسجن من قبل النظام المصري السابق ما اكسبها تعاطف الشارع المصري الذي أوصلها إلى السلطة وكذلك الحال بالنسبة لحركة النهضة في تونس التي حازت على أغلبية في البرلمان ووصلت الى السلطة بعد منع و اضطهاد على يد نظام بن علي السابق.
أما في الأردن فإن الحركة هناك تواجه حملة منظمة لتشويه سمعتها وربطها بالاستخبارات المركزية الأمريكية CIA والاستخبارات العسكرية البريطانية MI5 وتوظيفها لشق الشعب الأردني إلى شعبين منفصلين أردني وآخر فلسطيني ببلورة هويتين سياسيتين متضادتين على حساب الهوية الوطنية الجامعة بالرغم من كونهما عمليا و اجتماعيا وعشائريا و اقتصاديا شعبا واحد.
إن اشتداد الحراك الشعبي الأردني في العام الماضي والذي يطالب بإصلاح النظام وجعله أكثر ديمقراطية وبمحاربة الفساد الذي حول الأردن الى دولة هشة قد تنهار - إذا أوقفت الحكومة الأمريكية المساعدات الغذائية المجانية أو برامج اصلاح المياه أو أوقفت المساعدة الاقتصادية-العسكرية المباشرة التي تبلغ قيمتها 660 مليون دولار سنوياً، أو إذا أوقفت السعودية ضخ ما فوق المليار دولار سنوياً للموازنة العامة - ومن هنا اعتمدت أذرع الدولة الأمنية سياسة "فرق تسُد" وتقسيم الشعب إلى شعبين للقضاء على الحراك الشعبي، بدلا من اعتماد سياسة الإصلاح الاقتصادي والسياسي كما وعد الملك عبدالله الثاني أثناء وجوده هنا في واشنطن العام الماضي.
وفي ظل هذا المناخ السياسي كتب الصحفي الاردني أسامة الرنتيسي مقالاً في جريدة "الغد" الأردنية العام الماضي قال فيه إن المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن الدكتور همام سعيد، والدكتور كمال الهلباوي من حركة الإخوان المسلمين في مصر قد اجتمعا في يونيو/حزيران العام الماضي في اسطنبول مع النائب السابق لرئيس CIA ستيفن كابس، وإليزا ماننغهام - بولر رئيسة الاستخبارات البريطانية MI5 سابقاً والتي أصبحت فيما بعد عضواً في مجلس اللوردات البريطاني ورئيسة امبريال كولدج في لندن بعد تقاعدهما في عام 2007.
علاقة الإخوان بالـCIA
وأكد الرنتيسي في مقاله - حسب مصادره - وجود علاقة وطيدة بين CIA والإخوان المسلمون حيث قال أيضاً وعلى لسان ستيفن كابس واليزا ماننغهام –مولر "إن الإدارة الأمريكية واستخباراتها ستكون معكم – أي الإخوان المسلمين - في كل
خطوة وفي كل اتجاه". وأيضاً "فإن الحكومة والمخابرات الأمريكية سوف تدعم وتمكن الاخوان من السلطة، وحثتهم ايضاً على السلام مع إسرائيل ومقاومة
الإرهاب".
وبدورها نفت جماعة الإخوان المسلمون في الأردن ومصر نفياً قاطعاً حصول مثل هذا اللقاء، وتم رفع قضية بقيمة مليون دينار في المحاكم الأردنية ضد الكاتب الرنتيسي وجريدة "الغد".
وعندما سألت الرنتيسي عن مدى صحة ما كتب وهل لايزال يؤكد أن ما كتبه حول اللقاء المفترض صحيح أم لا؟ أجاب: "نعم"، وأضاف أنه مازال يؤكد صحة معلوماته التي قال إنه حصل عليها من خلال مصادر في السلطة الفلسطينية. وأضاف الرنتيسي أن لديه "محضراً غير رسمي يؤكد هذا الكلام"، وأن "السياق السياسي للإخوان والانفتاح بينهم وبين أمريكا يؤكد هذا الكلام أيضاً".
وخلافاً لحركة الإخوان المسلمين في مصر أو في تونس فالإخوان في الأردن لم يكونوا دائماً معارضة حقيقية للنظام كما قال لي الكاتب والباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية الدكتور محمد أبورمان "الإخوان شكلوا في مرحلة الخمسينيات والستينيات حلفاً داعماً للنظام الملكي وذلك ضد الحركات القومية واليسارية في ذلك الوقت". وأضاف "وفي السبعينيات وقفوا إلى جانب النظام الأردني ضد المنظمات الفلسطينية، إلا أنه في مرحلة التسعينيات حتى الآن وقف الإخوان المسلمون في الأردن في موقف المعارض للنظام خصوصاً بعد توقيع معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية في عام 1994، حيث شكلت المعاهدة الاسرائيلية-الأردنية - كما يبدو - مرحلة انفصال ونهاية الحلف غير المعلن بين النظام والحركة.
فالحراك العربي الشعبي أعطى بعداً سياسياً وزخماً لكل الحركات الإسلامية في المنطقة، ولكن في الأردن الحركة واجهت خصماً شديداً من قبل المخابرات الأردنية وأجهزة النظام الأخرى التي عملت على "فلسطنة" حركة الإخوان المسلمين كما قال الكاتب أبورمان، وذلك من أجل منع الحراك الشعبي من التكتل والتوحد، وأن يصبح بالتالي مصدر تهديد للنظام. "ففلسطنة" الإخوان تعني من وجهة نظر النظام أنه يجب تصويرهم كخطر سكاني وسياسي على الأردن كفلسطينيين، علماً أن الفلسطينيين في الأردن أصبحوا أردنيي الجنسية دستورياً عندما ضم الأردن الجزء الشرقي من فلسطين عام 1950 والتي سميت فيما بعد "الضفة الغربية" تماماً كحال مدينتي معان والعقبة في أقصى جنوب الأردن واللتين أصبحتا أردنيتين بعد أن ضمهما الأردن عام 1925 أي بعد 4 سنوات من تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921.
الدكتور همام سعيد "مقال مختلق وعارٍ عن الصحة"
وبدوره نفى الدكتور همام سعيد بشكل قاطع أثناء حديث لي معه وجود هذا النوع من اللقاءات مع الـCIA أو مع أي مسؤول أمريكي. وأضاف تعقيباً على المقال "أنه
مختلق وعارٍ عن الصحة، وأن مثل هذه اللقاءات مخالفة لمبادئنا ومعتقداتنا خصوصاً
عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع الكيان الصهيوني، وموقفنا المعارض من اتفاقية السلام الاردنية-الإسرائيلية المعروفة باتفاقية وادي عربة".
ولكن مدير مكتب "القدس العربي" في عمان بسام البدارين لا يستبعد هو الآخر وجود نوع من الاتصالات بين إخوان الأردن ودوائر غربية ذات طابع سياسي محض، حيث قال لي: "أعتقد أن هناك اتصالات قد حصلت بين الإخوان هنا والغرب ولكن ليس بشكل مباشر بل من خلال طرف ثالث".
ومن جهة أخرى أكد لي مسؤولون حاليون وسابقون في الـCIA أنه لم يتم أي اجتماع بين الـCIA والإخوان في مايو/أيار أو يونيو/حزيران العام الماضي في تركيا كما جاء في مقال الرنتيسي. وصرح الناطق باسم الـCIA جون تومتشك لي رسمياً بأنه "لم يحدث أي اجتماع بين مسؤولين في الـCIA والإخوان المسلمين في تركيا في أيار او حزيران من عام 2011".
أسماء شخصيات رفيعة
الغريب في الأمر أن مقال الرنتيسي يتضمن أسماء لأرفع الشخصيات السابقة في المخابرات الأمريكية والبريطانية، ما قد يعني أن الجهة التي وضعت تلك المعلومات ومررتها إلى السيد الرنتيسي من خلال أشخاص في السلطة الفلسطينية هي
جهة أمنية ومخابراتية، وكانت على علاقة رسمية مع كابس ومننغهام- مولر، حيث تعلم هذه الجهة أن ذكر هذين الشخصين في مثل هذا التقرير لن يكون له عواقب رسمية بين أمريكا وبريطانيا من جهة، ومخابرات تلك الدولة من جهة أخرى، كونهما لم يعودا في الخدمة الرسمية.
ومن هنا فقد تحدثت مع مسؤولين كبار وسابقين في الـCIA في واشنطن وMI5 في لندن وقد نفوا نفياً قاطعاً حصول مثل هذا اللقاء الذي وصف بأنه مفبرك.
واشترط المسؤولون المذكورون عدم ذكر أسمائهم في هذا المقال نظراً لحساسية مواقعهم السابقة والتي تندرج في أعلى السلم الوظيفي في الجهازين المذكورين.
والجدير بالذكر أن موقف الإخوان المسلمين في الأردن تجاه إسرائيل ومعارضة اتفاقية وادي عربة ليس هو بالضرورة موقف الإخوان المسلمين في مصر أو في تونس.
إخوان مصر: السلام مع إسرائيل سيستمر
ففي مصر ذكرت تقارير صحافية وعلى لسان القيادي عصام العريان أن الإخوان المسلمين هناك لا يعارضون اتفاقية السلام مع إسرائيل من حيث المبدأ، وطالما أن
الولايات المتحدة مستمرة في دعم مصر بالمساعدة المالية وقيمتها 1.3 بليون دولار طالما بقيت هذه المعاهدة قائمة.
وفي تونس أيضاً فقد رفضت حركة النهضة الحاكمة هناك إدخال قانون يجرم التعامل مع اسرائيل- العدو الصهيوني- في الدستور الجديد. رئيس حركة النهضة السيد راشد الغنوشي قال حسب التقارير الإعلامية إن تونس لن تعترف أبداً بإسرائيل وعليه لا يوجد داع لإدخال هذا البند في الدستور الجديد.
الجدير بالذكر أن أحزاب اليسار التونسية ومنها الحزب الشيوعي طالبت وبقوة بإدخال هذا البند للدستور الجديد كون عدم ادخاله حالياً يعني فتح المجال مستقبلاً لعلاقات قد تكون رسمية أو غير رسمية مع إسرائيل.
والكثير من القوميين العرب والحركات الوطنية الفلسطينية تتهم الإخوان المسلمين في الأردن بدعم حركة حماس والتي حسب وصفهم "شقت الصف الوطني الفلسطيني" باستحواذها على غزة والعمل على فصل غزة عن المناطق الفلسطينية الأخرى.
من خندق المعارضة إلى خندق الحكومة
فالملاحظ أن حركة الاخوان المسلمين هنا تدرك أن التحول من خندق المعارضة إلى قصر الحكومة يترتب عليه التخلي عن بعض من مبادئها، وأن تدفع ثمن البقاء في السلطة من خلال الالتزام بمواقف واتفاقيات كانت تشجبها وترفضها عندما كانت في
المعارضة سابقاً كالتعامل والسلام مع إسرائيل أو التعاون مع الغرب كطرف ضعيف يعتمد في بقائه على الهبات والمساعدات الغربية، تماماً كما الأنظمة الديكتاتورية السابقة، خصوصاً أنها سوف تورّث دولا متهالكة ذات أنظمة اقتصادية هشة وفاسدة ودون بنية تحتية سياسية اختزل فيها الوطن بشخص رأس الدولة.
ومن هنا فقد قال لي الكاتب المصري المقيم في القاهرة سليم عزوز إن الاخوان المسلمين ليس لديهم مشكلة مع الغرب من حيث المبدأ كونها الآن أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الدخول إلى قصر السلطة، وأيضاً فالحركة تحاول أن تثبت للغرب بأنها حركة معتدلة وليس لها مشكلة مع المصالح الغربية في المنطقة بشكل عام". لقد بدا واضحاً أن الإخوان المسلمين قد تغولوا وتحولوا من حركة مضطهدة إلى حركة تتعالى على الشعب بعد أن حصدت مقاعد البرلمان، وأصبحت تسعى إلى الهيمنة والسلطة واستخدام لغة مختلفة" أضاف عزوز الذي هو أيضاً رئيس تحرير صحيفة "الأحرار" المصرية.
أما بالنسبة لكمال الهلباوي فهو شخصية إشكالية في مصر كونه إخوانياً سابقاً ثم تحول إلى عدو للإخوان المسلمين، حسب ما ذكره الكاتب والصحافي المصري والمتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية فراج إسماعيل، حيث قال إسماعيل إن الهلباوي لا يفتأ يشوّه صورة الإخوان المسلمين عموماً والمرشد العام خصوصاً بسبب الخلاف بينه وبينهم.
وأضاف إسماعيل وهو أيضاً كاتب عمود أسبوعي في صحيفة "الجمهورية" المصرية وعمود يومي في صحيفة "المصريون" أن "الهلباوي قال في الإخوان ما لم يقله مالك في الخمر"، وعليه فإن لقاءات الهلباوي العلنية مع شخصيات غربية كونه كان مقيماً في الغرب قد لا تسيء بالضرورة للإخوان المسلمين كونه "عدواً سياسياً لهم"، وأكد إسماعيل أنه حتى إذا انتصر الإخوان وأخذوا الرئاسة المصرية، وهو ما يستبعده عزوز، فإن حكمهم لن يستمر طويلاً كون مصر بحاجة إلى عدة سنوات لإفراز وإنتاج قيادات جديدة تكون أكثر التزاماً بمبادئ الحرية والديمقراطية لتعيد بناء الدولة المصرية الحديثة.
وتوازياً مع الحملة التي تشنها الحكومة الأردنية على الإخوان هناك، فهي تعمل بشكل ممنهج على سحب الجنسية الأردنية من المواطنين ذوي الأصول الفلسطينية دون الاستناد إلى أي سند قانوني او دستوري سوى قرار سياسي وخطاب سياسي ألقاه الملك الراحل الحسين بن طلال بفك الارتباط مع الضفة الغربية دون تعديل الدستور وإقرار البرلمان بالتخلي عن جزء من أراضي الدولة الأردنية. إن اعتماد خطاب سياسي ألقي ضمن ظروف معينة ومرحلية كأساس لتفكيك الهوية الوطنية الجامعة وتقسيم الشعب الى شعبين هو عمل كارثي غير وطني وغير مسؤول، وقد يعتبر لاحقاً سابقه قانونية قد تؤسس الى خلق حالة تشيكوسلافاكية في الأردن. وقد يعتبر لاحقاً أيضاً أساساً لفك الارتباط السياسي والسيادي بمناطق أردنية أخرى.
فمن غير المعقول وغير المقبول أن تعامل الحكومة الأردنية المواطن الفلسطيني في الأردن كعدو وخصم بعد أن أفنى عمره وعمر أبنائه في بناء الدولة الأردنية الحديثة كدافع ضرائب وركيزة اقتصادية أساسية في الدولة، ليكافئ بعد ذلك بسحب الجنسية منه وحرمانه من حقوقه المدنية ليجد نفسه وأبناءه بعد ذلك عملياً في الشارع، وبذلك تكون الدولة الأردنية الدولة الوحيدة في العالم تقريباً التي تعمل على تمزيق بنيتها الداخلية بنفسها من أجل منع قيام أي عملية اصلاح سياسية واقتصادية حقيقية تتحول فيها الأردن من دولة هشة تعتمد في بقائها على المساعدات الغربية والخليجية إلى دولة حقيقية.