×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

صلاة الخسوف من المسجد الحرام

صلاة الخسوف من المسجد الحرام
مهد الذهب أدَّى المصلون في المسجد الحرام، مساء اليوم، صلاة خسوف القمر اقتداءً بسنة النبي محمد- صلى الله عليه وسلم-، وذلك في أجواء إيمانية تبتهل فيها القلوب خاشعة متضرعة لبارئها وتتوسل إليه وترجوا مغفرته وعفوه ورضاه.

وشهدت جنبات الحرم المكي الشريف وساحاته وتوسعاته إقبال المصلين وسط تكامل جميع الاستعدادات لاستقبال ضيوف الرحمن من الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.

وأمّ المصلين فضيلة الشيخ الدكتور بدر بن محمد التركي، الذي ألقى عقب انتهاء الصلاة خطبة، حثّ فيها المصلين على تقوى الله عز وجل واتباع أوامره واجتناب نواهيه والرجوع إليه والإنابة له سبحانه.

وقال فضيلته، إن مما لا يخفى على كل ذي عقل أن الله عز وجل هو المدبر لهذا الكون، له الخلق والأمر، أتقن ما صنع، وأبدع ما خلق، وقدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فالحكم حكمه، والأمر أمره لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، حي لا يموت، جميع الخلق تحت قهره وقبضته، يُميت ويُحيي، يُضحك ويبكي، يُغني ويُفقر (هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء )، وقلوب العباد بين أصبعيه يقلبها كيف يشاء، نواصيهم بيده، وأزمة الأمور معقودة بقضائه وقدره، لا ينازعه منازع، ولا يغلبه غالب، له الحكم و إليه ترجعون، لا راد لعذابه إن نزل، ولا رافع له إن حل إلا به سبحانه، يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد، لا يسأل عما يفعل والخلق جميعًا يُسألون، قائم بنفسه وحده، مستغن عن خلقه ومهيمن عليهم سبحانه .

وأشار الدكتور التركي إلى أن هذا الكون الفسيح، وما فيه من سموات وأرضين، وبحار وأنهار، وجبال وأشجار، إنما هو من دلائل عظمة الله وعظيم قدرته، وكذا الشمس والقمر، من تأمل فيهما رأى القدرة الإلهية، والعظمة الربانية، وإن من حكمة الله تعالى أن جعل في الشمس والقمر تخويفًا لعباده إذا تجبروا و زاغوا عن طاعة ربهم، علهم أن يراجعوا أنفسهم ويلزموا دينهم، قبل أن يحلّ بهم عذاب ربهم، ولذا كان الكسوف والخسوف ظاهرتين لا تقعان إلا بأمر الله، يخوف الله بها عباده، ولذا قال سبحانه وتعالى (وَمَا تَرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا).

وبين فضيلته أنه قبل أربعة عشر قرنًا من الزمن، وفي التاسع والعشرين من شهر شوال، وفي يوم شديد الحر، كسفت الشمس على عهد الحبيب- صلى الله عليه وسلم-، ففزع لذلك فزعًا شديدًا، وخرج- عليه الصلاة والسلام- مسرعًا إلى المصلى، حتى سقط رداءة على الأرض ولم يشعر به، فرقًا وخوفًا أن تكون الساعة، ثم أمر مناد ينادي بالناس "الصلاة جامعة"؛ فاجتمع الناس رجالًا ونساءً صغارًا وكبارًا، فصلى بهم- عليه الصلاة والسلام- صلاة طويلة، ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس- عليه الصلاة والسلام-، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا، ثم قال: يا أمة محمد، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا.

وذكر إمام وخطيب المسجد الحرام، أن من أعظم ما يجلب غضب الرب جل جلاله، مقارفة الذنوب والمعاصي والمجاهرة بها، والذنب يعظم إذا كان صاحبه يراه هينًا فيجاهر به أمام الناس، أو يستره ربه ويُصبح يكشف ستر الله عليه، وإن العاقل صاحب القلب الحي من إذا نابه خطب أو حل به كرب لجأ إلى ربه يضع جبينه على الأرض استجابة الله فيطرق أبواب السماء بدعوات اللطف والفرج وكشف الكربة، مبينًا أن العباد على هذه الأرض إنما وجدوا للطاعة والمنافسة فيما يرضى الله، والموفق من يُقدم بين يدي نجواه أثرًا طيبًا في حياته لينفعه بعد مماته، فآثار العباد على هذه الأرضِ محفوظة، وخطواتهم عليها مكتوبة، وأعمالهم فيها مُدَوَّنَةٌ، وَأَفْعَالُهُم على تراها مُحْصَاةٌ إنَّا نَحْنُ تُحيي الموتى ونكتب ما قدموا وأثارهم، فخطواتهم إلى الطاعة والبر والخير أثر، وخُطواتهم إلى المعصية وسبيل الشيطان أثر، وسجدة صادقة على ظهر الأرض أثر، وكلمة ينطق بها العبد أثر، وكل عمل يَعْمَلُهُ المرء فهو له أثر، وأثر محمود فهو به مأجور أو أثر مذموم فهو به مأزور وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إلا كنا عليكم شهودًا إذ تفيضون فيه.

وأضاف الشيخ التركي أن ما نراه من حدث وتبدل وتغير في حال القمر، إنما هو تذكير رباني بما سيجري لهذه الدنيا حين قيام الساعة، فهذه الأرض التي نسير عليها وتتنافس في عمارتها وتشييدها يومًا ما ستنتهي حين ينتهي الأمر الذي خُلِقَتْ مِنْ أَجْلِهِ، حَين تنتهي الحياة الدنيا وتبدأ الآخرة، وتنتهي هذه الأرضِ فَيَأْتِي عَليها خراب يعمها، ودمارٌ يَشْمَلُها، وستتوالى عليها أَحْدَاتٌ حِسَامٌ ومَشَاهِدُ عِظَامٌ فَيَرَى الناسُ مِنَ الْأَرْضِ مَا لَمْ يَأَلْفُوه، وَيُشَاهِدُوا مِنْهَا مَا لَمْ يَعْرِفُوه، فحري بكل إنسان أن يتأمل ويتفكر فيما يُوقعه الله من الآيات الكونية العظيمة، وأن يرى فيها عظيم قدرة الله وشديد قهره، ويعلم يقينًا أن الله لم يجعل هذه الآيات تسلية ومتعة يدعى الناس لمشاهدتها وتصويرها والأنس بحدوثها ، وإنما هي تحذير و إنذار من الله، فأعد لذلك اليوم عدته، وتأهب له أهبته، وقدَّم لنفسه عملًا صالحًا يلقى الله تعالى به.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر