×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

خطيب الجمعة من المسجد النبوي.. الشيخ "المهنا": من محاسن ديننا مكارم الأخلاق وأنبلها الرفق ولين الجانب بالقول والعمل

خطيب الجمعة من المسجد النبوي.. الشيخ "المهنا": من محاسن ديننا مكارم الأخلاق وأنبلها الرفق ولين الجانب بالقول والعمل
مهد الذهب أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور خالد المهنا؛ المسلمين، بتقوى الله تعالى، قال جلّ مَن قائل ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)).

وقال: فإن من محاسن ديننا وشواهد كماله أن أشاد بمكارم الأخلاق وعظم شأنها ورغّب في محاسن الآداب وفخمها؛ بل جعلها الحق المبين -سبحانه- عبادة تثقل بها موازين الحسنات وتتفاضل بها الدرجات في الجنات ألا وإن من أفضل خصال المسلم وأجلها وأجمل أخلاق المرء وأنبلها، خلق الرفق الذي هو لين الجانب بالقول والعمل واللطف بأخذ الأمور بأحسن الوجوه.

وبيّن أن الرفق من صفات الله -تعالى وتقدّس- قال عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ) فالمؤمن الذي يرفق في محل الرفق قد وافق ربه في صفة من صفاته، ومن وافقه في صفة منها قادته تلك الصفة بزمامه وأدخلته عليه وأدنته منه وقرّبته من رحمته، فإن الله تعالى يحب أسماءه وصفاته ويحب ظهور مقتضاها وظهور آثارها على العبد وهو رفيق يحب الرفق ويحب أهل الرفق.

وأشار إلى أن الرفق كان من أرفع اخلاق سيد ولد آدم -عليه الصلاة والسلام- وأعظمها وأظهرها أثرًا في كمال رسالته وأداء أمانته وتمام نصحه لأمته من أحل ذلك خصة هذه الخصلة بالذكر من بين شمائله العظيمة، فأشاد بها الوهاب فقال سبحانه (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) لقد كان عليه الصلاة والسلام رفيقًا في حزم متأنيًا في عزم لين من غير ضعف.

وأكمل "المهنا": جاء يهودي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: السام عليك يا محمد، فقال عليه الصلاة والسلام «وعليكم» ففطنت أمنا عائشة -رضي الله عنها- لمقالة اليهودي، فقالت «وعليكم السام واللعنة» فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- «مهلًا يا عائشة، إن الله رفيق يحب أهل الرفق» أخرجه البخاري، وفي لفظ مسلم «إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف» فالله تعالى رفيق في أفعاله، خلق السموات والأرض في ستة أيام مع قدرته على خلقها في لمحة ولحظة، فخلقهن في ستة أيام تعليماً لخلقه التثبت والتأني في الأمور.

وأردف إمام المسجد النبوي: أما رفقه -عليه الصلاة والسلام- بالمؤمنين ولطفه بهم وبولدانهم فشواهده كثيرة شهيرة، منها ما أخبرت به أم قيس بنت محصن -رضي الله عنها- أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأجلسه في حجره، فبال على ثوبه، فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بماء فنضحه ولم يغسله، وفي هذا الخبر ما فيه من لين النبي -صلى الله عليه وسلم- ورفقه واستعماله غاية اللطف جبراً لقلب أم الرضيع حين أجلس وليدها في حجره، ثم لم يظهر -عليه السلام- تبرماً ولم يضق ذرعاً بوقوع النجاسة على ثوبه الطاهر، ولم يزد على أن أمر بماء فأريق على ثوبه، وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم خرج فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدَي أحدهم واحدًا واحدًا، فمسح خدي فوجدت ليده بردًا أو ريحًا كأنما أخرجها من جونة عطار.

وتابع: الرفق ثمرة صفتين محمودتين يحبهما الله، هما الحلم والأناة، فمتى حاز المرء هاتين الخصلتين فلابد أن يكون رفيقًا، تظهر آثار رفقه سدادًا في قوله وفعله، وتمامًا في مروءته، ومحبةً إلى الله وإلى عباده، فمن كان مجبولًا عليهما، فليحمد الله، وليشكره، فقد أوتي خيرًا عظيمًا، ومن لم يكن كذلك فليسألهما من المنان الرحمن، وليكتسبهما بمجاهدة النفس والشيطان، فإنما يأمرانه بضديهما وهما الغضب والعجلة، وهما أسرع ضررًا على العاقل من نار سرت في هشيم يابس.

واختتم بقوله: بالرفق تتحقّق للعباد معظم مصالح الدين والدنيا، بل الخير كله في الرفق، قال -عليه الصلاة والسلام-: «من يُحرم الرفق يُحرم الخير كله»، وهذا الحديث من جوامع الكلم النبوي، فإنه حوى معاني كثيرة جليلة بأوجز عبارة، وهو دال على دخول الرفق في العبادة، ومع الناس في المعاملة، فمَن حرمه في العبادات أداها مستعجلًا مشتت الفكر، حريصًا على الفراغ منها، فحرم لذتها وبركتها وخشوعها وكمال أجرها، ومَن حرمه في معاملة الناس ساءت صحبته لهم، وحرم مودتهم، واكتسب عداوتهم، وربما تعدّى إلى ظلمهم، وذلك حرمان الخير كله، وتحقق الشر بحذافيره، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: «لا يكون الرفق في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه».
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر