×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

يحملون أدواتهم ويجوبون الشوارع ليل نهار

 حين تكون اللوحة جميلة, فليس من العدالة أن تتزين بنفايات البشر، وحين يكون المشهد نقياً, فليس من أخلاق الإنسانية خدشه، فمن أوجد هذه المعادلة الفاجعة التي يكابد في حلها عامل النظافة؟.

لست في صدد البحث عن إجابة لتلك المعادلة الشبه معقدة، فالمشهد واضح عند استقبالهم لك بـ"سلام عليكم" في أي طريق تسلكه، وأي بقعة تكون فيها. تجدهم يجوبون الشوارع والحارات ويتنقلون من منطقة لأخرى وأناملهم تصقل الشارع الذي نمر فيه أو نسكنه أو نشرب على رصيفه, أو نتناول على أرضيته الطعام، ويبقى السؤال: ما سر "السلام عليكم" التي ينطقونها لكل من يرونه أمامهم؟!.

في البداية ولدى سؤالي عدداً من المواطنين حيال موقفهم من سلام عاملي النظافة، أجمع العديد منهم بأنهم يتوقعون بأن الشركة المشغلة هي التي تقوم بتعليمهم طريقة السلام، وأن عليهم السلام على كل من يواجهونه رجالاً كانوا أو نساء.

يقول خالد الحربي "كنت سابقاً أقوم بالتعاطف مع عاملي النظافة حيال سلامهم علي في كل مرة أجدهم فيها، الأمر الذي يجعلني أقوم بالتصدق عليهم بما تجود به نفسي، ولكن ومع انتشار الجرائم التي نسمع عنها من العمالة من بيع للمسكرات والقيام بأعمال لم نكن نتوقعها من بني البشر، كل ذلك جعلني أغير الصورة تجاههم وأقوم بتجاهلهم في أي مكان أجدهم فيه".

وأضاف الحربي بقوله "رغم ذلك إلا أنني أجد بأني لازلت أتعاطف مع الـ"رجل الأصفر" الذي يتعرض يومياً إلى مخاطر مختلفة تجعله عرضة لإصابات متنوعة، سواء الجروح المختلفة، أو تلقي بعض الأمراض التي يصاب بها هؤلاء العمال نظراً لاتصالهم المباشر بالنفايات بكل أنواعها، وآخرون تعرضوا لاستفزازات وحتى الضرب من طرف بعض الجهال الذين لا يدركون قيمة عامل النظافة الذي يشقى من أجل نظافتهم لا غير.

ويرى عبدالرحمن الشمري أن عاملي النظافة يتجولون في الشوارع والطرقات ويعملون بجد تحت حرارة الشمس وآخر الليل على نظافة المدينة، وهذا جهد يشكرون عليه، ولكن هذا لا يدفعني إلى أن أعطيهم مبلغاً من المال حتى ولو ريالات قليلة.

وأضاف "أواجه العديد منهم عند إشارات المرور ويبادلونني التحية "السلام عليكم" فأرد عليهم التحية بمثلها، ولكنني في اليوم الواحد أتوقف عند مئات الإشارات المرورية مروراً بالطرقات والشوارع، وأجدهم في كل مكان، فلو سايرت نفسي وتصدقت على كل واحد منهم لذهب مالي كله لعامل البلدية، لذلك أقوم بمساعدتهم في الوقت الذي أجد بأنني مقتدر.

وختم الشمري حديثة بقوله "تحية عمال البلدية خدعة، حيث يبدون الضعف فنتعاطف جميعاً معهم، ولكن لا يجب أن ننظر لعواطفنا بل علينا أن ننظر بعقولنا ونتذكر بأن هنالك من يستحق المال أكثر من عامل النظافة الذي يقبض كل نهاية شهر مرتباً حتى وإن كان قليلاً".

من ناحيته قال مخلوف شادير (عامل نظافة 34 عاماً يعمل في شرق الرياض) "أنا أول مرة أعمل فيها في بلد عربي، وهذه أول مهمة عمل أقوم بها مغترباً، ولكنني ورغم ذلك أجد بأنني محبوب من الجميع، فأنا أقوم بعمل جيد وشريف وهو النظافة.

وأضاف "أول يوم وصلت فيه للسعودية قامت الشركة التي أعمل فيها بتعليمنا ثقافة التعامل مع المواطن السعودي وأول تلك التعليمات هي "السلام عليكم" على كل من نراه ونواجهه في الشارع حتى ننشر السلام فيما بيننا.

وأكد "مخلوف" بأن العديد من الناس يعتقدون بأننا حين نسلم عليهم نقصد من ذلك طلب صدقة بطريقة غير مباشرة، أو أننا نمارس ألعوبة، والحقيقة أنني لست من تلك الفئة فأنا أسلم على من أراه يستحق أن أسلم عليه، وغير ذلك أكتفي بابتسامة أوجهها له.

ومن شرق الرياض أيضاً تحدث عامل النظافة محمد هاجاور (29 عاماً) قائلاً إنه يستيقظ بتمام الساعة الثالثة فجراً حتى يتمكن من جمع النفايات قبل أن يصحو الناس ويخرجوا للعمل، بعد ذلك يقوم بأداء أعمال نظافة أخرى لجهات معينة.

وأضاف قائلاً: في الحقيقة وأثناء وجودي في الشارع لتنظيف الطرقات أجد بأنني غير معترف بي كثيراً، فالناس في الشارع يرون بأن عامل النظافة شخص من كوكب آخر وغريب حتى في حال "سلامي" عليهم، فإنني لا أجد من يرد علي تحية الإسلام!. ولكنني أثناء عملي لبعض الجهات المعينة التي اتفقت معها على راتب شهري قد لا يتجاوز الـ 700 ريال، أجد منهم كل التقدير والترحيب والاحترام.

وختم هاجاور حديثه بأن "سلام عليكم" هي من فتحت له باب الرزق، حيث كان يعمل في وقت الذروة وتحت حرارة الشمس أمام أحد المراكز التجارية الكبرى، فسلم على رجل, الأمر الذي سره وطلب منه العمل لديه لمدة 3 ساعات يومياً، حيث إنه يملك مكتباً عقارياً كبيراً ويحتاج لعامل تنظيف وتحضير القهوة والشاي.

وفي حي آخر من أحياء شرق الرياض تحدث منير ألماس (39 عاماً)، الذي أكد أن العمل في شرق الرياض لا يغني ولا يسمن من جوع، فهو متعب وشاق، كما أن السكان "بخلاء" على حد تعبيره. وأضاف بقوله: كنت أعمل سابقاً في شمال الرياض حيث كنت أتمتع بصحبة جيدة مع السكان، فالجميع يثق بي ويمد يد العون في الوقت الذي أحتاجهم فيه، كما أنني أسلم على الجميع الصغير والكبير وألقى منهم الرد الجميل واليد الطولى في تقديم الصدقات والمساعدات، كما أنني كنت أعمل على غسل سيارات بعض سكان أحياء شمال الرياض، وأجد من وراء ذلك دخلاً شهرياً أكثر بكثير مما أتلقاه من شركة النظافة التي أعمل لها.

من جهته تحدث شاهدار (29 عاماً، عامل نظافة في وسط الرياض) قائلاً "أحب أن أتحدث مع السعوديين كل يوم وفي كل فرصة أجدها سانحة لي، حتى أقوي من لغتي العربية من ناحية وأجد عدداً من الريالات من ناحية أخرى.

وأضاف "إنني أتقاضى مرتباً ضعيفاً جداً مقارنة بالعيش في بلد كالسعودية، فمرتبي لا يتجاوز 300 ريال، والمهم ذكره هنا أنني وبقية عاملي النظافة لا نقبضها كل شهر، فقد يمر علينا شهران وثلاثة ولا نستلم ريالاً واحداً، أضف إلى ذلك أن الشركة التي نعمل فيها تقدم لنا وجبتين في اليوم الواحد (إفطار وعشاء) فقط، كما أنها تجمع كل 15 عاملاً وتضعهم في غرفة واحدة للنوم، وهذا أمر جداً معقد، ولكن ضيق العيش يجعلني وغيري نصبر، فليس لنا غير ذلك.

وأضاف: "العمل في وسط العاصمة أمر جميل، ولكنه مرهق نوعاً ما، فالمنطقة تعج بالأجناس المختلفة العربية والآسيوية وغيرها الكثير، الأمر الذي يصعب عملية التواصل معهم وطلب المساعدة منهم، ولكنني وطدت عدة علاقات مع عدد من السعوديين الذي يقدمون لي وجبة غداء مما يتبقى من وجبتهم، كما أنهم يتصدقون علي ببعض الملابس التي لم تعد تناسبهم، وهذا كله لأنني أسلم عليهم كلما أراهم، الأمر الذي ناسبهم كثيراً.

من ناحيتها حاولت "المهد" جاهدة التواصل مع إحدى شركات النظافة حتى تتوصل إلى رأيها تجاه هذا الأمر، الذي أجبر عاملي النظافة على سلك طريق جديد لكسب المال حتى ولو حفنة ريالات مقابل "السلام عليكم"، ولكن دون جدوى، فالجميع لاحظ الظروف التي يعمل فيها هؤلاء العمال الذين يقومون بتنظيف الشوارع، ورفع كل ما يخلّفه السكان من قمامة، كما يتساءل البعض: كيف يعقل أن يقوم هؤلاء العمال بعملهم دون ارتداء القفازات؟ أو اقتناء بعض اللوازم الأخرى التي من خلالها يحافظون على صحتهم؟!.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر