×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

خطيب المسجد النبوي: تبرعات غزة وصلت مستحقيها

خطيب المسجد النبوي: تبرعات غزة وصلت مستحقيها
مهد الذهب أشاد إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ د. عبدالباري بن عواض الثبيتي -في خطبة الجمعة- بالحملة المباركة التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - بالتبرع لدعم المحتاجين في غزة، عبر القنوات الرسمية، والتجاوب الكبير من أبناء الوطن المعطاء، الذي يبذل بسخاء، مؤكدا أنها آتت أكلها، ووصلت إلى مستحقيها، قال تعالى: "وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَلَهُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، مضيفا: الشأن في المسلم أنه يشعر بآلام الموجوعين، فيشاطر المرضى آلامهم بزيارتهم ومواساتهم، وتسلية المتوجع، وإدخال السرور عليهم، وتذكيرهم بالأجر والصبر، ينبض قلبه بالحياة والإحساس، يستشعر معاناة الضعفاء؛ يتألم لألم اليتيم المنكسر، والعاجز المتعطل، والفقير المعدم، وهذا الألم يدفعه إلى تذكر الإحسان والبذل والعطاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ".

وأضاف: خلق الله الإنسان متقلب الأطوار، ينبض بالإحساس، ويفيض بالمشاعر، يتألم ويسكن، ويضعف ويعجز، ويخاف ويأمن تعصف به مراحل الحياة في جراحاته وآلامه، وفي مواقف القهر والظلم، والخسارة والحرمان، والفقد والوجد، إنها سنة الله في خلقه، وطلب العيش بلا ألم، طلب محال كما قال تعالى: "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ"، وهو سبحانه من يقدر الضر والنفع، وما يصيب المرء من الآلام الحسية فيها والنفسية، بل والعضوية دليل على أن هذه الدنيا دار ابتلاء، قال الله تعالى: "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ".

وتابع: الألم يوقظ من الغفلة، ويعرف بالنعمة، ويرشد الحيران، رحمة من الله قد تغيب عنا حكمتها؛ فكم من ألم مرض عضال غير مجرى الحياة، وكم من ألم نبه وأرشد إلى مرض صامت ينخر في الجسم وصاحبه لا يدري، مرارة الألم تذيقك حلاوة الصحة وطعم الراحة وأنس العافية؛ فالألم نعمة تستحق الشكر، ومهما امتد فإنه زائل، ومهما طال فإنه ماض، ومهما اشتدت حرارته فإنه إلى أفول، ويعقبه فرج وخير وتمكين، يوسف عليه السلام تآمر إخوته عليه، وألقوه في الجب، وراودته امرأة العزيز، وكادت له النسوة،ودخل السجن، ثم أعقب سنين المعاناة نصرا وتمكينا وعزاً، رسول الله صلى الله عليه وسلم مكر به الماكرون في كل خطوة من خطوات حياته، وكاد له الكائدون في كل مرحلة من مراحل سيرته حتى قال: "أُوذيتُ في الله وما يُؤذَى أحد"، فماذا كان بعد؟ لقد ذهب المكر وأهله، والكيد وجنده، إلى مزبلة التاريخ، وتلاشى الألم، وبقيت دعوته ورسالته وأمته يزهو بريقها، ويمتد إشعاعها، ويتعاظم أثرها، وتشتد جذورها، وابتليت أم سلمة رضي الله عنها وتألمت لفقد أبي سلمة أعز الناس إليها، فأخلف الله عليها بأحب الناس إليه وأعظم من أبي سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتصبح له زوجة وأماً للمؤمنين.

وقال: ذكر القرآن قصة معاناة وألم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك؛ حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم هماً وغماً، هجرهم الأخ والقريب، واعتزلهم الجميع لا يكلمهم أحد خمسين ليلة؛ حتى جاءهم الفرج، وزال الألم، وأشرقت حياتهم بتوبة الله وثنائه عليهم في قرآن يتلى إلى قيام الساعة، والمسلم يعلم يقيناً أن الألم يعقبه أمل، وفي ردهاته غنيمة، وعاقبته حميدة، والخير الآجل لا يبصره المرء في حينه، والصبر على لأوائه يفجر سيلا من الحسنات، كم من الهموم والغموم التي تخيم على حياتنا ثم تنقشع بفجر صادق ويوم مشرق؛ وهناك عاقبة متحققة في دار خلودها دائم، ونعيمها قائم هي عزاء لكل متألم، وعوض لكل مغبون؛ حتى إنه ليغمس في الجنة غمسة واحدة فيقال له: هلْ رَأَيْتَ بُوسًا قَط ؟ هل مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطْ؟ فَيَقُولُ: لا والله يا رَبِّ، ما مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، ولا رَأَيْتُ شِدَّةً قَط، والناس مع الألم أصناف يتفاوتون على قدر إيمانهم ويقينهم وعزمهم وقوة إرادتهم؛ فمنهم من يفقد توازنه، وتهتز قواه، وتخور عزيمته، وتسلب إرادته، ويتسلط عليه الوهم والخوف، ويغدو يائسا بائسا، ومن الناس من تمده عقيدته بالثبات، ويغذيه إيمانه بالصبر، فيجعل من الألم أملا، ومن الحزن فرحاً، ومن الضعف قوة، ومع كل ذلك؛ فإن المسلم المهتدي يفقه وجوب مدافعة الألم ورفعه بالوقاية أولا من مسبباته، وبتحصين نفسه من مباشرة الفتن الموجعة، ومقاربة الأخطار المحدقة، وذلك بالذكر والدعاء والتضرع إلى الله، والتداوي وفعل الخير والإحسان.

وأضاف: يقلب الإنسان ناظريه ويجيله في صفحات الأولين، وسير المعاصرين، وفيمن حوله من الأقران والأصدقاء، فيجد منهم السباق إلى القربات في أعمال البر، ومن يحفظ القرآن، ومن استقر جسده وقلبه في الصفوف الأولى في بيوت الله، ومن نال الدرجات العلا في سلم العلم، ومن ثنى ركبتيه عند العلماء للعلم والطلب ومن هو مضرب المثل في بر الوالدين، ومن بسط يده بالإنفاق، ومن سخر وقته الخدمة الفقراء والمساكين والأيتام، ومن بذل حياته لنشر العلم، ومن نصب قلمه للذود عن الشرع والدين، ومن غدا عضوا فاعلا في بناء مجتمعه وخدمة وطنه ومن ثم ينظر إلى سيرته ويتأمل تاريخه، فيتحسر لما يرى من تراجع في حاله، فيدفعه هذا الألم إلى العمل والتغيير، وتتوق نفسه إلى السباق واغتنام الفرص واستثمار العمر.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر