×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
مهـا عبدالله

ففيهما فجاهد

جاء في الكتب التاريخية أن أمية بن الأسكر الكناني رجل من سادات قومه وكان له ابن اسمه كلاب هاجر إلى المدينة في خلافة عمر رضي الله عنه فأقام بها مدة ثم لقي ذات يوم بعض الصحابة فسألهم أي الأعمال أفضل في الإسلام فقالوا الجهاد فذهب إلى عمر يريد الغزو فأرسله عمر في جيش إلى بلاد الفرس فلما علم أبوه بذلك تعلق به وقال: لا تدع أباك وأمك شيخين ضعيفين ربياك صغيراً حتى إذا احتاجا إليك تركتهما فقال :أترككما لما هو خير لي ثم خرج غازياً بعد أن أرضى أباه فأبطأ في الغزو وتأخر وكان أبوه وأمه يجلسان يوماً في ظل نخل لهم وإذا حمامة تدعو فرخها الصغير وتلهو معه فرأها الشيخ فبكى فرأته العجوز يبكي فبكت ثم أصاب الشيخ ضعف في بصره فلما تأخر ولده كثيراً ذهب إلى عمر رضي الله عنه ودخل المسجد فقال :والله يا ابن الخطاب لئن لم ترد علي ولدي لا دعون عليك في عرفات فكتب عمر رضي الله عنه برد ولده إليه فلما قدم ودخل عليه قال له عمر ما بلغ من برك لأبيك قال: كنت أوثره وأكفيه أمره وكنت إن أردت أن أحلب له لبناً أجيء إلى أغزر ناقة في ابله فأريحها واتركها حتى تستقر ثم أغسل أخلافها حتى تبرد ثم أحلب له فأسقيه فبعث عمر إلى الرجل فدخل على عمر وهو يتهاوى وقد ضعف بصره وانحنى ظهره فقال له :عمر رضي الله عنه كيف انت يا أبا كلاب قال :كما ترى يا أمير المؤمنين فقال ما أحب الأشياء إليك اليوم؟ قال ما أحب اليوم شيئاً ما أفرح بخير ولا يسوءني شر فقال :عمر فلا شيء آخر قال بلى أحب أن كلاباً ولدي عندي فأشمه شمّة واضمه ضمّة قبل أن أموت فبكى عمر رضي الله عنه وقال ستبلغ ما تحب إن شاء الله ثم أمر كلاباً ان يخرج وأن يحلب لأبيه ناقة كما كان يفعل ويبعث بلبنها إليه فقام ففعل ذلك ثم جاء وناول الإناء إلى عمر فأخذه رضي الله عنه وقال اشرب يا أبا كلاب فلما تناول الإناء ليشرب وقربه من فمه قال والله يا أمير المؤمنين اني لأشمّ رائحة يدي كلاب فبكى عمر وقال له هذا كلاب عندك وقد جئناك به فوثب إلى ابنه وأخذ يضمه ويعانقه وهو يبكي فجعل عمر رضي الله عنه والحاضرون يبكون ثم قال:يا بني الزم ابويك فجاهد فيهما ما بقيا ثم اعتن بشأن نفسك بعدهما..

فانظر مدى البر بالوالدين، فهذه العبارات الندية والصور الموحية بالرحمة في قلوب الأبناء نحو الآباء، فلو تأملنا قليلاً بوقتنا الحاضر لدور العجزة بكل أسف تمتلئ بالمنكسرين والمحبطين من الآباء والأمهات الذين تخلى عنهم أبناؤهم وألقوهم في تلك الدور يجترون الذكريات الحزينة في جو كئيب موحش يمتلئ بالغدر والجحود ونكران الجميل ترى؟! كيف يعيش ذلك الأب وتلك الأم بعيداً عن الذين أفنوا أعمارهم وهم يحوطونهم بالرعاية والحب؟!

أما علمنا أهمية بر الوالدين ؟!

الى متى سنبقى في التأجيل المستمر للتفكير في برنا لهم ؟!

الى متى سيبقى الوقت ولم تحن القلوب لبرهما؟ وكأننا ضمنا معيشتهم أبد الدهر؟!
فلنتأمل الآية الكريمة.(وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) (الاسراء: الآية24).
بواسطة : مهـا عبدالله
 0  0  384